فصل: التخصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


التخصر

‏(‏قوله‏:‏ والتخصر‏)‏ وهو وضع اليد على الخاصرة وهي ما فوق الطفطفة والشراسيف كذا في المغرب لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه كما في سنن أبي داود وهذا التفسير هو الصحيح وبه قال الجمهور من أهل اللغة والفقه والحديث ورد مفسرا هكذا عن ابن عمر كما في السنن وحكمته أنه في الصلاة راحة أهل النار كما رواه ابن حبان في صحيحه قال ابن حبان يعني فعل اليهود والنصارى في صلاتهم وهم أهل النار لا أن لهم راحة في النار أو أنه فعل المتكبرين ولا يليق بالصلاة أو أنه فعل الشيطان حتى قيل إن إبليس أهبط من الجنة لذلك فلهذا قال في المبسوط والمجتبى ويكره التخصر خارج الصلاة أيضا والذي يظهر أنها تحريمية فيها للنهي المذكور وقد فسر التخصر بغير هذا أيضا منها أن يتوكأ في الصلاة على عصا ومنها أن يختصر السورة فيقرأ من أولها آية أو آيتين ومنها أن يختصرها فيقرأ آخرها ومنها أن يحذف آية السجدة ومنها أن يختصر صلاته فلا يتم حدودها ولا شك في كراهة الإتكاء في الفرض لغير ضرورة كما صرحوا به لا في النفل على الأصح كما في المجتبى وأما الاختصار في القراءة فإن أخل بواجب بأن نقص عن ثلاث آيات مع الفاتحة كان مكروها كراهة تحريم لترك بعض الواجب وإلا فلا وقد صرح أصحاب الفتاوى بأن الصحيح أنه لا تكره القراءة من آخر السورة وقد صرحوا بكراهة قراءته السورة وترك آية السجدة في بابها وأما اختصار الصلاة بحيث لا يتم حدودها فإن لزم منه ترك واجب كره تحريما وإن أخل بسنة كره تنزيها هذا ما تقتضيه القواعد والله سبحانه الموفق للصواب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والالتفات‏)‏ لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد»‏.‏ وروى الترمذي وصححه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة» ثم المذكور في عامة الكتب أن الالتفات المكروه هو تحويل وجهه عن القبلة وممن صرح به صاحب البدائع والنهاية والغاية والتبيين وفتح القدير والمجتبى والكافي وشرح المجمع وقيده في الغاية بأن يكون لغير عذر أما تحويل الوجه لعذر فغير مكروه، وينبغي أن تكون تحريمية كما هو ظاهر الأحاديث قالوا وإنما كره لغير عذر لأنه انحراف عن القبلة ببعض بدنه ولو انحرف عنها بجميع بدنه فسدت فإن انحرف ببعض بدنه كره كالعمل القليل فإنه مكروه لأن كثيره مفسد ويدل لعدم فسادها بهذا الالتفات قوله في الحديث‏:‏ «يختلسها الشيطان من صلاة العبد» فإنه سماها صلاة معه وإنما لم يكره للعذر لحديث مسلم عن جابر ‏{‏اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا» وقد صرحوا بأن التفات البصر يمنة ويسرة من غير تحويل الوجه أصلا غير مكروه مطلقا والأولى تركه لغير حاجة والظاهر أن فعله عليه السلام إياه كان لحاجة تفقد أحوال المقتدين به مع ما فيه من بيان الجواز وإلا فهو كان ينظر من خلفه كما ينظر أمامه كما في الصحيحين وقد خالف صاحب الخلاصة عامة الكتب في الالتفات المكروه فجعله مفسدا وعبارته ولو حول المصلي وجهه عن القبلة من غير عذر فسدت وكذا في الخانية وجعل فيها الالتفات المكروه أن يحول بعض وجهه عن القبلة والأشبه ما في عامة الكتب من أن الالتفات المكروه أعم من تحويل جميع الوجه أو بعضه وذكر في منية المصلي أن كراهة الالتفات بالوجه فيما إذا استقبل من ساعته يعني فلو لم يستقبل من ساعته فسدت وكأنه جمع بين ما في الفتاوى وبين ما في عامة الكتب بحمل ما في الفتاوى على ما إذا لم يستقبل من ساعته وحمل ما في العامة على ما إذا استقبل من ساعته وكأنه ناظر إلى أنه إذا لم يستقبل من ساعته صار عملا كثيرا فأفسدها وإذا استقبل من ساعته كان عملا قليلا فكره وهو بعيد فإن الاستدامة على هذا القليل لا يجعله كثيرا وإنما كثيره تحويل صدره وقد صرحوا بالفساد عند تحويل الصدر ولا بد من تقييده بعدم العذر كما في منية المصلي لتصريحهم كما سبق بأنه لو ظن أنه أحدث فاستدبر القبلة ثم علم أنه لم يحدث قبل الخروج من المسجد لا تبطل ومقتضى القواعد المذهبية اشتراط أن يؤدي ركنا وهو مستدبر لما صرحوا به من أن انكشاف العورة إنما يفسدها إذا لم يستتر من ساعته حتى أدى ركنا أما إذا سترها قبل أداء الركن فلا فكذا استقبال القبلة بجامع الشرطية والمكث قدر أداء الركن فيه خلاف بين أبي يوسف ومحمد فأبو يوسف لا يجعله كأداء الركن ومحمد جعله كما عرف وذكر الشارح أنه يكره رفع بصره إلى السماء لقوله عليه السلام‏:‏ «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة لينتهن أو لتخطفن أبصارهم» وفي التجنيس ويكره أن يميل أصابع يديه ورجليه عن القبلة لأنه مأمور بتوجيهها قال عليه السلام‏:‏ «فليوجه من أعضائه إلى القبلة ما استطاع»‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والإقعاء‏)‏ «لنهيه صلى الله عليه وسلم عن عقبة الشيطان» كما في الصحيحين وهو الإقعاء ولما في مسند أحمد عن أبي هريرة‏:‏ «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب» شبه من يسرع في الركوع والسجود ويخفف فيهما بالديك الذي يلتقط الحبة كما في النهاية وهي كراهة تحريم للنهي المذكور كما أسلفناه من الأصل ثم اختلفوا في الإقعاء المذكور في الحديث فصحح صاحب الهداية وعامتهم أنه أن يضع أليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا كما هو قول الطحاوي وزاد كثير ويضع يديه على الأرض وزاد بعضهم أن يضم ركبتيه إلى صدره لأن إقعاء الكلب يكون بهذه الصفة إلا أن إقعاء الكلب يكون في نصب اليدين وإقعاء الآدمي في نصب الركبتين إلى صدره وذهب الكرخي إلى أنه أن ينصب قدميه ويقعد على عقبيه واضعا يديه على الأرض وهو عقب الشيطان الذي نهى عنه في الحديث والكل مكروه لأن فيه ترك الجلسة المسنونة كذا في البدائع وغاية البيان والمجتبى زاد في فتح القدير أن قوله الصحيح أي كون هذا هو المراد في الحديث لا أن ما قاله الكرخي غير مكروه بل يكره ذلك أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ والعقبة بضم العين وسكون القاف والعقب بفتح العين وكسر القاف بمعنى الإقعاء كذا في المغرب وفي فتح القدير وأما ما روى مسلم عن طاوس قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين فقال هي السنة فقلت إنا نراه جفاء بالرجل فقال بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم‏.‏ وما روى البيهقي عن ابن عمر وابن الزبير أنهم كانوا يقعون فالجواب المحقق عنه أن الإقعاء على ضربين أحدهما مستحب أن يضع أليتيه على عقبيه وركبتاه في الأرض وهو المروي عن العبادلة والمنهي أن يضع أليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه ا هـ‏.‏ وهو مخالف لما ذكره هو وغيره أن الإقعاء بنوعية مكروه والحق أن هذا الجواب ليس لأئمتنا وإنما هو جواب البيهقي والنووي وغيرهما بناء على أنه مستحب عند الشافعي لأنك قد علمت كراهته عندنا بنوعيه ويمكن الجواب عنه إما بحمله على حالة العذر إن ثبت في بعض رواياته أنه كان في الصلاة أو بحمله على كونه خارج الصلاة إن لم يثبت أو لأن المانع والمبيح إذا تعارضا ولم يعلم التاريخ كان الترجيح للمانع وقد فسر صاحب المغرب عقب الشيطان بالإقعاء عند الكرخي فكان مانعا وينبغي أن تكون كراهته تنزيهية بخلاف النوع المتفق على كراهته‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وافتراش ذراعيه‏)‏ لما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ‏{‏وكان يعني النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع» وافتراشهما إلقاؤهما على الأرض كما في المغرب قيل وإنما نهى عن ذلك لأنها صفة الكسلان والتهاون بحاله مع ما فيه من التشبه بالسباع والكلاب والظاهر أنها تحريمية للنهي المذكور من غير صارف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ورد السلام بيده‏)‏ أي بالإشارة وقد قدمناه في بيان المفسدات فراجعه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والتربع بلا عذر‏)‏ لأن فيه ترك سنة القعود في الصلاة كذا علل في الهداية وغيرها وما قيل في وجه الكراهة أنه جلوس الجبابرة ليس بصحيح لأنه عليه السلام كان جل قعوده في غير الصلاة مع أصحابه التربع وكذا عمر رضي الله عنه كذا ذكره المصنف وغيره وتعليلهم بأن فيه ترك السنة يفيد أنه مكروه تنزيها إذ ليس فيه نهي خاص ليكون فيه تحريما وقيد بكونه بلا عذر لأنه ليس بمكروه مع العذر لأن الواجب يترك مع العذر فالسنة أولى وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عبد الله أنه كان يرى عبد الله بن عمر يتربع في الصلاة إذا جلس ففعلته وأنا يومئذ حديث السن فنهاني عبد الله بن عمر وقال إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى فقلت إنك تفعل ذلك فقال‏:‏ إن رجلي لا يحملاني وعليه يحمل ما في صحيح ابن حبان عن عائشة‏:‏ «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا» أو تعليما للجواز ثم الجلوس متربعا معروف وإنما سمي بالتربع لأن صاحب هذه الجلسة قد ربع نفسه كما يربع الشيء إذا جعل أربعا والأربع هنا الساقان والفخذان ربعها بمعنى أدخل بعضها تحت بعض‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعقص شعره‏)‏ أي عقص شعر الرأس فيها بمعنى أن يفعل ذلك قبل الدخول فيها ثم يدخل كذلك لما روى أصحاب الكتب الستة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏{‏أمرت أن أسجد على سبعة وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا» وفي العقص كفه وما رواه مسلم عن كريب أن ابن عباس رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فجعل يحله فلما انصرف قال مالك ولرأسي قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏{‏إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف» ولهذا قال العلماء حكمة النهي عنه أن الشعر يسجد معه والظاهر أن الكراهة تحريمية للنهي المذكور بلا صارف ولا فرق فيه بين أن يتعمده للصلاة أو لا وهو في اللغة جمع الشعر على الرأس وقيل ليه وإدخال أطرافه في أصوله كذا في المغرب واختلف الفقهاء فيه على أقوال فقيل أن يجمعه وسط رأسه ثم يشده وقيل أن يلف ذوائبه حول رأسه كما يفعله النساء وقيل أن يجمعه من قبل القفا ويمسكه بخيط أو خرقة وكل ذلك مكروه كذا في غاية البيان وفي الظهيرية ويكره الاعتجار وهو لف العمامة حول رأسه وإبداء الهامة كما يفعله الشطار ا هـ‏.‏ وفي المحيط ويكره الاعتجار لأنه عليه السلام نهى عنه وهو أن يكور عمامته ويترك وسط رأسه مكشوفا كهيئة الأشرار وقيل أن يتنقب بعمامته فيغطي أنفه كمعجر النساء إما لأجل الحر أو البرد أو للتكبر وهو مكروه لقول ابن عباس لا يغطي الرجل أنفه وهو يصلي ا هـ وفي المغرب وتفسير من قال هو أن يلف العمامة على رأسه ويبدي الهامة أقرب لأنه مأخوذ من معجر المرأة وهو ثوب كالعصابة تلفه المرأة على استدارة رأسها ا هـ‏.‏ والمعجر على وزن منبر وعلل كراهة الاعتجار الإمام الولوالجي بأنه تشبه بأهل الكتاب قال وهو مكروه خارج الصلاة ففيها أولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكف ثوبه‏)‏ للحديث السابق سواء كان من بين يديه أو من خلفه عند الانحطاط للسجود والكف هو الضم والجمع ولأن فيه ترك سنة اليد وذكر في المغرب عن بعضهم أن الائتزار فوق القميص من الكف ا هـ‏.‏ فعلى هذا يكره أن يصلي مشدود الوسط فوق القميص ونحوه أيضا وقد صرح به في العتابية معللا بأنه صنيع أهل الكتاب لكن في الخلاصة أنه لا يكره كذا في شرح منية المصلي ويدخل أيضا في كف الثوب تشمير كميه كما في فتح القدير وظاهره الإطلاق وفي الخلاصة ومنية المصلي قيد الكراهة بأن يكون رافعا كميه إلى المرفقين وظاهره أنه لا يكره إذا كان يرفعهما إلى ما دونهما والظاهر الإطلاق لصدق كف الثوب على الكل وذكر في المجتبى في كراهة تشمير الكمين قولين وذكر في القنية أن القول بإمساك الكمين أحوط ولا يخفى ما فيه وفي مذهب مالك تفصيل قد كنت رأيته لأئمتنا في بعض الفتاوى ولم يحضرني تعيينها الآن وهو أنه يكره إن كان للصلاة لا إذا كان لأجل شغل ثم حضرته الصلاة فصلى وهو على تلك الهيئة، ومن كف الثوب رفعه كي لا يتترب كما في منية المصلي وقيل لا بأس بصونه عن التراب كما في المجتبى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسدله‏)‏ لنهيه عليه السلام عنه كما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه يقال سدل الثوب سدلا من باب طلب إذا أرسله من غير أن يضم جانبه وقيل هو أن يلقيه على رأسه ويرخيه على منكبيه وأسدل خطأ كذا في المغرب وذكر في البدائع أن الكرخي فسره بأن يجعل ثوبه على رأسه أو على كتفيه ويرسل أطرافه من جوانبه إذا لم يكن عليه سراويل وعن أبي حنيفة أنه يكره السدل على القميص وعلى الإزار وقال لأنه صنيع أهل الكتاب فإن كان السدل بدون السراويل فكراهته لاحتمال كشف العورة عند الركوع وإن كان مع الإزار فكراهته لأجل التشبه بأهل الكتاب فهو مكروه مطلقا سواء كان للخيلاء أو لغيره للنهي من غير فصل ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير أن السدل يصدق على أن يكون المنديل مرسلا من كتفيه كما يعتاده كثير فينبغي لمن على عنقه منديل أن يضعه عند الصلاة ويصدق أيضا على لبس القباء من غير إدخال اليدين في كميه وقد صرح بالكراهة فيه ا هـ‏.‏ وكذا صرح في النهاية بإدخال القباء المذكور في السدل وعزاه إلى مبسوط شيخ الإسلام والخلاصة لكن الذي في خلاصة الفتاوى المصلي إذا كان لابسا شقة أو فرجية ولم يدخل يديه اختلف المتأخرون في الكراهة والمختار أنه لا يكره ا هـ‏.‏ وظاهر ما في فتح القدير أن الشد الذي يعتاد وضعه على الكتفين إذا أرسل طرفا على صدره وطرفا على ظهره لا يخرج عن الكراهة فإنه عين الوضع وظاهر كلامهم يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون الثوب محفوظا من الوقوع أو لا فعلى هذا يكره في الطيلسان الذي يجعل على الرأس وقد صرح به في شرح الوقاية وصرح العلامة الحلبي بأن محل كراهة السدل عند عدم العذر وأما عند العذر فلا كراهة وأنه إن كان للتكبير فهو مكروه مطلقا واختلف المشايخ في كراهة السدل خارج الصلاة كما في الدراية وصحح في القنية من باب الكراهية أنه لا يكره ومن المكروه اشتمال الصماء لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود» ا هـ‏.‏ واشتمال اليهود هو الصماء وهو إدارة الثوب على الجسد من غير إخراج اليد سمي بها لعدم منفذ يخرج يده منها كالصخرة الصماء وفسرها في المحيط بأن يجمع طرفي ثوبه ويخرجهما تحت إحدى يديه على أحد كتفيه ا هـ‏.‏ وقيده في البدائع بأن لا يكون عليه سراويل وإنما كره لأنه لا يؤمن انكشاف العورة ومحمد رحمه الله فصل بين الاضطباع ولبسة الصماء فقال‏:‏ إنما تكره الصماء إذا لم يكن عليه إزار فإن كان عليه إزار فهو اضطباع لأنه يدخل طرفي ثوبه تحت إحدى ضبعيه وهو مكروه لأنه لبس أهل الكبر ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة وغيرها لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب واحد متوشحا به جميع بدنه ويؤم كذلك والمستحب أن يصلي الرجل في ثلاثة أثواب قميص وإزار وعمامة أما لو صلى في ثوب واحد متوشحا به جميع بدنه كإزار الميت تجوز صلاته من غير كراهة وتفسيره ما يجعله القصار في المقصرة، وإن صلى في إزار واحد يجوز ويكره وكذا في السراويل فقط لغير عذر وكذا مكشوف الرأس للتهاون والتكاسل لا للخشوع وفسر في الذخيرة التوشيح أن يكون الثوب طويلا يتوشح به فيجعل بعضه على رأسه وبعضه على منكبيه وعلى كل موضع من بدنه وذكر في شرح منية المصلي أن ستر المنكبين في الصلاة مستحب يكره تركه تنزيها عند أصحابنا وفسره في المغرب بأن يدخله تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ا هـ‏.‏ وفسره ابن السكيت بأن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن أبي سلمة أنه ‏{‏رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقه وفي لفظ مشتملا به واضعا طرفيه على عاتقيه وفي لفظ مخالفا بين طرفيه وفي حديث جابر متوشحا به» والألفاظ كلها بمعنى واحد كما ذكره النووي في شرح مسلم ومن المكروه التلثم وتغطية الأنف والوجه في الصلاة لأنه يشبه فعل المجوس حال عبادتهم النيران كذا ذكره الشارح لكن التلثم هو تغطية الأنف والوجه كما في المحيط وفي الخلاصة ولو ستر قدميه في السجدة يكره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والتثاؤب‏)‏ وهو التنفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخارات وهو ينشأ من امتلاء المعدة وثقل البدن لما في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع» والأدب أن يكظمه ما استطاع أي يرده ويحبسه لما روينا فإن لم يقدر فليضع يده أو كمه على فيه ووضع اليد ثابت في صحيح مسلم ووضع الكم قياس عليه وصرح في الخلاصة بأنه إن أمكنه عند التثاؤب أن يأخذ شفتيه بسنه فلم يفعل وغطى فاه بيده أو بثوبه يكره كذا روي عن أبي حنيفة ا هـ‏.‏ ووجهه أن تغطية الفم منهي عنها في الصلاة لما رواه أبو داود وغيره وإنما أبيحت للضرورة ولا ضرورة إذا أمكنه الدفع ثم إذا وضع يده على فيه يضع ظهر يده كذا في مختارات النوازل قال العلامة الحلبي وهل يفعل ذلك بيده اليمنى أو اليسرى لم أقف عليه مسطورا لمشايخنا ا هـ‏.‏ وهو عجيب مع كثرة مطالعته للمجتبى ونقله عنه وقد صرح بأنه يغطي فاه بيمينه وقيل بيمينه في القيام وفي غيره بيساره ا هـ‏.‏ ومن المكروه التمطي لأنه من التكاسل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتغميض عينيه‏)‏ لما رواه ابن عدي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه» إلا أن في سنده من ضعف والكراهة مروية عن مجاهد وقتادة وعلله في البدائع بأن السنة أن يرمي بصره إلى موضع سجوده وفي التغميض ترك هذه السنة ولأن كل عضو وطرف ذو حظ من هذه العبادة فكذا العين ا هـ‏.‏ وظاهر كلامهم أنه لا يغمض في السجود وقد قال جماعة من الصوفية نفعنا الله بهم يفتح عينيه في السجود لأنهما يسجدان وينبغي أن تكون الكراهة تنزيهية إذا كان لغير ضرورة ولا مصلحة أما لو خاف فوات خشوع بسبب رؤية ما يفرق الخاطر فلا يكره غمضهما بسبب ذلك بل ربما يكون أولى لأنه حينئذ لكمال الخشوع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقيام الإمام لا سجوده في الطاق‏)‏ أي المحراب لأن قيامه فيه يشبه صنيع أهل الكتاب بخلاف سجوده فيه وقيامه خارجه هكذا علل به في الهداية وهو أحد الطريقين للمشايخ وأصله أن محمدا صرح بالكراهة في الجامع الصغير ولم يفصل فاختلف المشايخ في سببها فقيل كونه يصير ممتازا عنهم في المكان لأنه في معنى بيت آخر وذلك صنيع أهل الكتاب واقتصر عليه في الهداية واختاره الإمام السرخسي وقال إنه الأوجه وقيل اشتباه حاله على من على يمينه ويساره فعلى الطريقة الأولى يكره مطلقا وعلى الثانية لا يكره عند عدم الاشتباه وفي فتح القدير ولا يخفى أن امتياز الإمام مقرر مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع على ما قيل فلا تشبه ا هـ‏.‏ وقد يقال إن امتياز الإمام المطلوب في الشرع حاصل بتقدمه من غير أن يقف في مكان آخر فمتى أمكن تمييزه من غير تشبه بأهل الكتاب تعين فحينئذ وقوفه في المحراب تشبه بأهل الكتاب لغير حاجة فكره مطلقا ولهذا قال الولوالجي في فتاويه وصاحب التجنيس إذا ضاق المسجد بمن خلف الإمام على القوم لا بأس بأن يقوم الإمام في الطاق لأنه تعذر الأمر عليه وإن لم يضق المسجد بمن خلف الإمام لا ينبغي للإمام أن يقوم في الطاق لأنه يشبه تباين المكانين ا هـ‏.‏ يعني‏:‏ وحقيقة اختلاف المكان تمنع الجواز فشبهة الاختلاف توجب الكراهة وهو وإن كان المحراب من المسجد كما هي العادة المستمرة فصورته وهيئته اقتضت شبهة الاختلاف فالحاصل أن مقتضى ظاهر الرواية كراهة قيامه في المحراب مطلقا سواء اشتبه حال الإمام أو لا وسواء كان المحراب من المسجد أم لا وإنما لم يكره سجوده في المحراب إذا كان قدماه خارجه لأن العبرة للقدم في مكان الصلاة حتى تشترط طهارته رواية واحدة بخلاف مكان السجود إذ فيه روايتان وكذا لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بوضع القدمين وإن كان باقي بدنه خارجها والصيد إذا كان رجلاه في الحرم ورأسه خارج منه فهو صيد الحرم ففيه الجزاء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وانفراد الإمام على الدكان وعكسه‏)‏ أما الأول فلحديث الحاكم مرفوعا‏:‏ «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق ويبقى الناس خلفه» وعللوه بأنه تشبه بأهل الكتاب فإنهم يتخذون لإمامهم دكانا أطلقه فشمل ما إذا كان الدكان قدر قامة الرجل أو دون ذلك وهو ظاهر الرواية وصححه في البدائع لإطلاق النهي وقيده الطحاوي بقدر القامة ونفى الكراهة فيما دونه وقال قاضي خان في شرح الجامع الصغير إنه مقدر بذراع اعتبارا بالسترة وعليه الاعتماد وفي غاية البيان وهو الصحيح وفي فتح القدير وهو المختار لكن قال الأوجه الإطلاق وهو ما يقع به الامتياز لأن الموجب وهو شبه الازدراء يتحقق فيه غير مقتصر على قدر الذراع ا هـ‏.‏ فالحاصل أن التصحيح قد اختلف والأولى العمل بظاهر الرواية وإطلاق الحديث وأما عكسه وهو انفراد القوم على الدكان بأن يكون الإمام أسفل فهو مكروه أيضا في ظاهر الرواية وروى الطحاوي عن أصحابنا أنه لا يكره لأن الموجب للكراهة التشبه بأهل الكتاب ولا تشبه هناك لأن مكان إمامهم لا يكون أسفل وجواب ظاهر الرواية أقرب إلى الصواب لأن كراهة كون المكان أرفع كان معلولا بعلتين التشبه بأهل الكتاب ووجود بعض المفسد وهو اختلاف المكان وهاهنا وجدت إحدى العلتين وهي وجود بعض المخالفة كذا في البدائع ومن المشايخ من علل الكراهة في الثانية بما في ذلك من شبه الازدراء بالإمام ولعله أولى وعلى ما ذكره الطحاوي من عدم الكراهة مشى قاضي خان في فتاويه وعزاه إلى النوادر وقال وعليه عامة المشايخ ا هـ وهذا كله عند عدم العذر أما عند العذر كما في الجمعة والعيدين فإن القوم يقومون على الرفوف والإمام على الأرض ولم يكره ذلك لضيق المكان كذا في النهاية وذكر في شرح منية المصلي وهل يدخل في الحاجة في حق الإمام إرادة تعليم المأمومين أعمال الصلاة وفي حق المأمومين إرادة تبليغ انتقالات الإمام عند اتساع المكان وكثرة المصلين فعند الشافعي نعم قيل وهو رواية عن أبي حنيفة ا هـ‏.‏ قيد بالانفراد لأنه لو قام بعض القوم مع الإمام قيل يكره والأصح أنه لا يكره وبه جرت العادة في جوامع المسلمين في أغلب الأمصار كذا في المحيط وذكر في البدائع أن من اعتبر معنى التشبه قال لا يكره وهو قياس رواية الطحاوي لزوال معنى التشبه لأن أهل الكتاب لا يشاركون الإمام في المكان ومن اعتبر وجود بعض المفسد قال يكره وهو قياس ظاهر الرواية لوجود بعض المخالفة في المكان ا هـ وفيه نظر لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولبس ثوب فيه تصاوير‏)‏ لأنه يشبه حامل الصنم فيكره وفي الخلاصة وتكره التصاوير على الثوب صلى فيه أو لم يصل ا هـ‏.‏ وهذه الكراهة تحريمية وظاهر كلام النووي في شرح مسلم الإجماع على تحريم تصويره صورة الحيوان وأنه قال قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صور الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث يعني مثل ما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم» ثم قال وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فصنعته حرام على كل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم ودينار وفلس وإناء وحائط وغيرها ا هـ‏.‏ فينبغي أن يكون حراما لا مكروها إن ثبت الإجماع أو قطعية الدليل لتواتره قيد بالثوب لأنها لو كانت في يده وهو يصلي لا تكره لأنه مستور بثيابه كذا لو كان على خاتمه كما في الخلاصة وفي المحيط رجل في يديه تصاوير وهو يؤم الناس لا تكره إمامته لأنها مستورة بالثياب فصار كصورة في نقش خاتم وهو غير مستبين ا هـ‏.‏ وهو يفيد أن المستبين في الخاتم تكره الصلاة معه ويفيد أنه لا يكره أن يصلي ومعه صرة أو كيس فيه دنانير أو دراهم فيها صور صغار لاستتارها ويفيد أنه لو كان فوق الثوب الذي فيه صورة ثوب ساتر له فإنه لا يكره أن يصلي فيه لاستتارها بالثوب الآخر والله سبحانه أعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأن يكون فوق رأسه أو بين يديه أو بحذائه صورة‏)‏ لحديث الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» وفي المغرب الصورة عام في كل ما يصور مشبها بخلق الله تعالى من ذوات الروح وغيرها وقولهم ويكره التصاوير المراد بها التماثيل ا هـ‏.‏ فالحاصل أن الصورة عام والتماثيل خاص والمراد هنا الخاص فإن غير ذي الروح لا يكره كالشجر لما سيأتي والمراد بحذائه يمينه ويساره ولم يذكر ما إذا كانت خلفه للاختلاف ففي رواية الأصل لا يكره لأنه لا يشبه العبادة وصرح في الجامع الصغير بالكراهة ومشى عليه في الخلاصة وبأنها إذا كانت في موضع قيامه أو جلوسه لا يكره لأنها استهانة بها وكذلك على الوسادة إن كانت قائمة يكره لأنه تعظيم لها وإن كانت مفروشة لا تكره كذا في المحيط قالوا وأشدها كراهة ما يكون على القبلة أمام المصلي والذي يليه ما يكون فوق رأسه والذي يليه ما يكون عن يمينه ويساره على الحائط والذي يليه ما يكون خلفه على الحائط أو الستر وإنما لم تكره الصلاة في بيت فيه صورة مهانة على بساط يوطأ أو مرفقة يتكأ عليها مع عموم الحديث من أن الملائكة لا تدخله وهو علة الكراهة لأن شر البقاع بقعة لا تدخلها الملائكة لوجود مخصص وهو ما في صحيح ابن حبان ‏{‏استأذن جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادخل فقال كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير فإن كنت لا بد فاعلا فاقطع رءوسها أو اقطعها وسائد أو اجعلها بسطا» وفي البخاري في كتاب المظالم عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ «أنها اتخذت على سهوة لها سترا فيه تماثيل فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت نجلس عليهما» زاد أحمد في مسنده‏:‏ «ولقد رأيته متكئا على أحدهما وفيه صورة» والسهوة كالصفة تكون بين البيت وقيل بيت صغير كالخزانة والنمرقة بكسر النون وسادة صغيرة والوسادة المخدة لكنه يقتضي عدم كراهة الصلاة على بساط فيه صورة وإن كانت في موضع السجود لأن ذلك ليس بمانع من دخول الملائكة كما أفادته النصوص المخصصة وإن علل بالتشبه بعبادة الأصنام فممنوع فإنهم لا يسجدون عليها وإنما ينصبونها ويتوجهون إليها إلا أن يقال إن فيها صورة التشبه بعبادتها حال القيام والركوع وفيه تعظيم لها إن سجد عليها ولهذا أطلق الكراهة في الأصل فيما إذا كان على البساط المصلى عليه صورة لأن الذي يصلى عليه معظم فوضع الصورة فيه تعظيم لها بخلاف البساط الذي ليس بمصلى وتقدم عن الجامع الصغير التقييد بموضع السجود فينبغي أن يحمل إطلاق الأصل عليه وأنها إذا كانت تحت قدميه لا يكره اتفاقا وفي الخلاصة ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير لكن لا يسجد عليها ثم قال ثم التمثال إن كان على وسادة أو بساط لا بأس باستعمالهما وإن كان يكره اتخاذهما ثم اعلم أن العلماء اختلفوا فيما إذا كانت الصورة على الدراهم والدنانير هل تمنع الملائكة من دخول البيت بسببها فذهب القاضي عياض إلى أنهم لا يمتنعون وأن الأحاديث مخصصة وذهب النووي إلى القول بالعموم ثم المراد بالملائكة المذكورين ملائكة الرحمة لا الحفظة لأنهم لا يفارقونه إلا في خلوته بأهله وعند الخلاء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إلا أن تكون صغيرة‏)‏ لأن الصغار جدا لا تعبد فليس لها حكم الوثن فلا تكره في البيت والكراهة إنما كانت باعتبار شبه العبادة كذا قالوا وقد عرفت ما فيه والمراد بالصغيرة التي لا تبدو للناظر على بعد والكبيرة التي تبدو للناظر على بعد كذا في فتح القدير ونقل في النهاية أنه كان على خاتم أبي موسى ذبابتان وأنه لما وجد خاتم دانيال عليه السلام في عهد عمر رضي الله عنه وجد عليه أسد و لبؤة بينهما صبي يلحسانه وذلك أن بخت نصر قيل له يولد مولود يكون هلاكك على يديه فجعل يقتل من يولد فلما ولدت أم دانيال ألقته في غيضة رجاء أن يسلم فقيض الله له أسدا يحفظه ولبؤة ترضعه فنقشه بمرأى منه ليتذكر نعم الله عليه ودفعه عمر إلى أبي موسى الأشعري وكان لابن عباس كانون محفوف بصور صغار ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة من كتاب الكراهة رجل صلى ومعه دراهم وفيها تماثيل ملك لا بأس به لصغرها‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو مقطوع الرأس‏)‏ أي سواء كان من الأصل أو كان لها رأس ومحي وسواء كان القطع بخيط خيط على جميع الرأس حتى لم يبق لها أثر أو يطليه بمغرة ونحوها أو بنحته أو بغسله وإنما لم يكره لأنها لا تعبد بدون الرأس عادة ولما رواه أحمد عن علي قال ‏{‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره ولا قبرا إلا سواه ولا صورة إلا لطخها» ا هـ‏.‏ وأما قطع الرأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرأس على حاله فلا ينفي الكراهة لأن من الطيور ما هو مطوق فلا يتحقق القطع بذلك ولهذا فسر في الهداية المقطوع بمحو الرأس كذا في النهاية قيد بالرأس لأنه لا اعتبار بإزالة الحاجبين أو العينين لأنها تعبد بدونها وكذا لا اعتبار بقطع اليدين أو الرجلين وفي الخلاصة وكذا لو محى وجه الصورة فهو كقطع الرأس‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو لغير ذي روح‏)‏ لما تقدم أنه ليس بتمثال ولما في الصحيحين عن سعيد بن أبي الحسن قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال‏:‏ إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها فقال له ادن مني فدنا ثم قال له ادن مني فدنا حتى وضع يده على رأسه وقال أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏{‏كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم» قال ابن عباس فإن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له ا هـ‏.‏ ولا فرق في الشجر بين المثمر وغيره وهو مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه كره المثمر وفي الخلاصة ولو رأى صورة في بيت غيره يجوز له محوها وتغييرها وفي النهاية عن محمد في الأجير لتصوير تماثيل الرجال أو ليزخرفها والأصباغ من المستأجر قال لا أجر له لأن عمله معصية وفي التفاريق هدم بيتا مصورا بالأصباغ ضمن قيمة البيت والأصباغ غير مصور‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعد الآي والتسبيح‏)‏ أي ويكره عد الآيات من القرآن والتسبيح وكذا السور لأنه ليس من أعمال الصلاة أطلقه فشمل العد في الفرائض والنوافل جميعا باتفاق أصحابنا في ظاهر الرواية وروي عنهما في غير ظاهر الرواية أن العد باليد لا بأس به كذا في العناية وغيرها لكن في الكافي وقالا لا بأس به فجزم به عنهما وعلل لهما بأن المصلي يضطر إلى ذلك لمراعاة سنة القراءة والعمل بما جاءت به السنة في صلاة التسبيح «وقال عليه السلام لنسوة سألته عن التسبيح اعددنه بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات يوم القيامة» وقوله في الهداية قلنا يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع إنما يأتي هذا في الآي دون التسبيحات ا هـ‏.‏ قالوا ومحل الاختلاف هو العد باليد كما وقع التقييد به في الهداية سواء كان بأصابعه أو بخيط يمسكه أما الغمز برءوس الأصابع أو الحفظ بالقلب فهو غير مكروه اتفاقا والعد باللسان مفسد اتفاقا وقيد بالآي والتسبيح لأن عد الناس وغيرهم مكروه اتفاقا كذا في غاية البيان وقيد بالصلاة لأن العد خارج الصلاة لا يكره على الصحيح كما ذكره المصنف في المستصفى لأنه أسكن للقلب وأجلب للنشاط ولما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ‏{‏عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصا تسبح به فقال أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والحمد لله مثل ذلك والله أكبر مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك» فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك ثم هذا الحديث ونحوه مما يشهد بأنه لا بأس باتخاذ السبحة المعروفة لإحصاء عدد الأذكار إذ لا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى ونحوه في خيط ومثل هذا لا يظهر تأثيره في المنع فلا جرم إن نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم اللهم إلا إذا ترتب عليها رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه وهذا الحديث أيضا يشهد لأفضلية هذا الذكر المخصوص على ذكر مجرد عن هذه الصيغة ولو تكرر يسيرا ثم اعلم أن العلامة الحلبي ذكر أن كراهة العد باليد في الصلاة تنزيهية وظاهر النهاية أنها تحريمية فإنه قال والصحيح أنه لا يباح العد أصلا لأنه ليس في الكتاب فصل بين الفرض والنفل وقد يصير العد عملا كثيرا فيوجب فساد الصلاة وما روي في الأحاديث من قرأ في الصلاة كذا وكذا مرة ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ وكذا كذا تسبيحة فتلك الأحاديث لم يصححها الثقات أما صلاة التسبيح فقد أوردها الثقات وهي صلاة مباركة فيها ثواب عظيم ومنافع كثيرة فإنه يقدر أن يحفظ بالقلب وإن احتاج يعد بالأنامل حتى لا يصير عملا كثيرا ا هـ‏.‏ ثم صلاة التسبيح هذه ما رواها عكرمة عن ابن عباس قال ‏{‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب يا عباس يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته عشر خصال أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع فتقول وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ثم تسجد الثانية فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة» رواه أبو داود وابن ماجه والطبراني وقال في آخره‏:‏ «فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج غفر الله لك» قال الحافظ عبد العظيم المنذري وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة وأمثلها حديث عكرمة هذا وقد صححه جماعة ا هـ‏.‏ وذكر فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير قال مشايخنا إن احتاج المرء إلى العد يعد إشارة لا إفصاحا ويعمل بقولهما في المضطر‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا قتل الحية والعقرب‏)‏ أي لا يكره قتلهما لحديث الصحيحين‏:‏ «اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب» وفي صحيح مسلم مرفوعا‏:‏ «أمر عليه الصلاة والسلام بقتل الكلب العقور والحية والعقرب في الصلاة» وأقل مراتب الأمر الإباحة وفي شرح منية المصلي ويستحب قتل العقرب بالنعل اليسرى إن أمكن لحديث أبي داود كذلك ولا بأس بقياس الحية على العقرب في هذا ا هـ‏.‏ أطلقه فشمل جميع أنواع الحيات وصححه في الهداية لإطلاق الحديث وجميع المواضع وفي المحيط قالوا وينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء التي تمشي مستوية لأنها جان لقوله عليه السلام‏:‏ «اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر وإياكم والحية البيضاء فإنها من الجن» وقال الطحاوي لا بأس بقتل الكل لأن النبي صلى الله عليه وسلم عهده مع الجن أن لا يدخلوا بيوت أمته وإذا دخلوا لم يظهروا لهم فإذا دخلوا فقد نقضوا العهد فلا ذمة لهم والأولى هو الإعذار والإنذار فيقال ارجع بإذن الله فإن أبي قتله ا هـ‏.‏ يعني‏:‏ الإنذار في غير الصلاة وفي النهاية معزيا إلى صدر الإسلام والصحيح من الجواب أن يحتاط في قتل الحيات حتى لا يقتل جنيا فإنهم يؤذونه إيذاء كثيرا بل إذا رأى حية وشك أنه جني يقول له خل طريق المسلمين ومر فإن مرت تركه فإن واحدا من إخواني هو أكبر سنا مني قتل حية كبيرة بسيف في دار لنا فضربه الجن حتى جعلوه زمنا كان لا يتحرك رجلاه قريبا من الشهر ثم عالجناه وداويناه بإرضاء الجن حتى تركوه فزال ما به وهذا مما عاينته بعيني ا هـ‏.‏ وأطلق في القتل فشمل ما إذا كان بعمل كثير قال السرخسي وهو الأظهر لأن هذا عمل رخص فيه للمصلي فهو كالمشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ ا هـ‏.‏ وتعقبه في النهاية بأنه مخالف لما عليه عامة رواية شروح الجامع الصغير ورواية مبسوط شيخ الإسلام فإنهم لم يبيحوا العمل الكثير في قتلها ا هـ‏.‏ وتعقبه أيضا في فتح القدير بأنه يقتضي أن الاستقاء غير مفسد في سبق الحدث وقد تقدم خلافه وبحثه بأنه لا يفسد للرخصة بالنص يستلزم مثله في علاج المار إذا كثر فإنه أيضا مأمور به بالنص كما قدمناه لكنه مفسد عندهما فما هو جوابه عن علاج المار هو جوابنا في قتل الحية ثم الحق فيما يظهر الفساد وقولهم الأمر بالقتال لا يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوه من الفساد في صلاة الخوف إذا قاتلوا في الصلاة بل أثره في رفع الإثم بمباشرة المفسد في الصلاة بعد أن كان حراما صحيح ا هـ‏.‏ وفي النهاية معزيا إلى الجامع الصغير البرهاني إنما يباح قتلها في الصلاة إذا مرت بين يديه وخاف أن تؤذيه وإلا فيكره، وقيد بالحية والعقرب لأن في قتل القملة والبرغوث اختلافا قال في الظهيرية فإن أخذ قملة في الصلاة كره له أن يقتلها لكن يدفنها تحت الحصى وهو قول أبي حنيفة وروي عنه إذا أخذ قملة أو برغوثا فقتله أو دفنه فقد أساء وعن محمد أنه يقتلها وقتلها أحب إلي من دفنها وأي ذلك فعل فلا بأس به وقال أبو يوسف يكره كلاهما في الصلاة ا هـ‏.‏ وذكر في شرح منية المصلي أن دفنهما مكروه في المسجد في غير الصلاة وأن الحاصل أنه يكره التعرض لكل منهما بالأخذ فضلا عن القتل أو الدفن عند عدم تعرضهما له بالأذى، وأما عند تعرضهما له بالأذى فإن كان خارج المسجد فلا بأس حينئذ بالأخذ والقتل أو الدفن بعد أن لا يكون ذلك بعمل كثير فإنه كما روي عن ابن مسعود من دفنها روي عن أنس أنهم كانوا يقتلون القمل والبراغيث في الصلاة ولعل أبا حنيفة إنما اختار الدفن على القتل لما فيه من النزاهة عن إصابة دمهما ليد القاتل أو ثوبه في هذه الحالة وإن كان ذلك معفوا عنه وأن ابن مسعود فعل أحسن الجائزين وإن كان في المسجد فلا بأس بالقتل بالشرط المذكور ولا يطرحها في المسجد بطريق الدفن ولا غيره إلا إذا غلب على ظنه أنه يظفر بها بعد الفراغ من الصلاة وبهذا التفصيل يحصل الجمع بين ما عن أبي حنيفة من أنه يدفنها في الصلاة وبين ما عنه أنه لو دفنها في المسجد فقد أساء‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والصلاة إلى ظهر قاعد يتحدث‏)‏ أي لا تكره كذا في الجامع الصغير وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة يكره له أن يصلي وقبله نيام أو قوم يتحدثون لما أخرجه البزار عن ابن عباس مرفوعا‏:‏ «نهيت أن أصلي إلى النيام والمحدثين» وأجيب بأنه محمول في النائمين على ما إذا خاف ظهور صوت منهم يضحكه ويخجل النائم إذا انتبه وفي المحدثين على ما إذا كان لهم أصوات يخاف منها التغليط أو شغل البال ونحن نقول بالكراهة في هذا ثم يعارض الحديث المذكور في النائمين ويقدم عليه لقوته ما في الصحيحين عن عائشة قالت‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت» وإنما قيد بقوله يتحدث ليفيد عدم الكراهة إلى ظهر من لا يتحدث بالأولى ولعله متفق عليه وقد كان يفعله ابن عمر إذا لم يجد سارية يقول لنافع ول ظهرك وأفاد كلامهم هنا أنه لا كراهة على المتحدث ولهذا نقل الشارح عن الصحابة رضي الله عنهم أن بعضهم كانوا يقرءون القرآن وبعضهم يتذاكرون العلم والمواعظ وبعضهم يصلون ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولو كان مكروها لنهاهم ا هـ‏.‏ وقيد بالظهر لأن الصلاة إلى وجه أحد مكروهة كما في الجامع الصغير قال في المنية والاستقبال إلى المصلي مكروه سواء كان المصلي في الصف الأول أو في الصف الأخير ولهذا قال في الذخيرة يكره للإمام أن يستقبل المصلي وإن كان بينهما صفوف وهذا هو ظاهر المذهب ذكره في الفصل الرابع من كتاب الصلاة‏.‏ والحاصل أن استقبال المصلي إلى وجه الإنسان مكروه واستقبال الإنسان وجه المصلي مكروه فالكراهة من الجانبين قال العلامة الحلبي وقد صرحوا بأنه لو صلى إلى وجه إنسان وبينهما ثالث ظهره إلى وجه المصلي لم يكره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإلى مصحف أو سيف معلق‏)‏ أي لا يكره أن يصلي وأمامه مصحف أو سيف سواء كان معلقا أو بين يديه أما المصحف فلأن في تقديمه تعظيمه وتعظيمه عبادة والاستخفاف به كفر فانضمت هذه العبادة إلى عبادة أخرى فلا كراهة ومن قال بالكراهة إذا كان معلقا معللا بأنه تشبه بأهل الكتاب مردود لأن أهل الكتاب يفعلونه للقراءة منه وليس كلامنا فيه وأما السيف فلأنه سلاح ولا يكره التوجه إليه فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنه كان يصلي للعنزة وهي سلاح»‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو شمع أو سراج‏)‏ لأنهما لا يعبدان والكراهة باعتبارها وإنما يعبدها المجوس إذا كانت في الكانون وفيها الجمر أو في التنور فلا يكره التوجه إليها على غير هذا الوجه وذكر في غاية البيان اختلاف المشايخ في التوجه إلى الشمع أو السراج والمختار أنه لا يكره ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون عدم الكراهة متفقا عليه فيما إذا كان الشمع على جانبيه كما هو المعتاد في مصر المحروسة في ليالي رمضان للتراويح قال ابن قتيبة في أدب الكاتب في باب ما جاء فيه لغتان استعمل الناس أضعفهما الشمع بالسكون والأوجه فتح الميم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعلى بساط فيه تصاوير إن لم يسجد عليها‏)‏ أي لا يكره والتقييد المذكور بناء على ما في الجامع الصغير وقد قدمنا مفهومه وما في الأصل فلا حاجة إلى إعادته ثم اعلم أن المصنف لم يستوف ذكر المكروهات في الصلاة فمنها أن كل سنة تركها فهو مكروه تنزيها كما صرح به في منية المصلي من قوله ويكره وضع اليدين على الأرض قبل الركبتين إذا سجد و رفعهما قبلهما إذا قام إلا من عذر وأن يرفع رأسه أو ينكسه في الركوع وأن يجهر بالتسمية والتأمين وأن لا يضع يديه في موضعهما إلا من عذر وأن يترك التسبيحات في الركوع والسجود وأن ينقص من ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود وأن يأتي بالأذكار المشروعة في الانتقالات بعد تمام الانتقال وفيه خللان تركها في موضعها وتحصيلها في غير موضعها ذكره في مواضع متفرقة من مكروهات الصلاة وحاصله أن السنة إذا كانت مؤكدة قوية لا يبعد أن يكون تركها مكروها كراهة تحريم كترك الواجب فإنه كذلك وإن كانت غير مؤكدة فتركها مكروه تنزيها كما في هذه الأمثلة وإن كان ذلك الشيء مستحبا أو مندوبا وليس بسنة كما هو على اصطلاحنا فينبغي أن لا يكون تركه مكروها أصلا كما صرحوا به من أنه يستحب يوم الأضحى أن لا يأكل أولا إلا من أضحيته قالوا ولو أكل من غيرها فليس بمكروه فلم يلزم من ترك المستحب ثبوت كراهته إلا أنه يشكل عليه ما قالوه من أن المكروه تنزيها مرجعه إلى خلاف الأولى ولا شك أن ترك المستحب خلاف الأولى ومنها ما في الخلاصة والولوالجية ولا ينبغي أن يقرأ في كل ركعة آخر سورة على حدة فإنه مكروه عند الأكثر وينبغي أن يقرأ في الركعتين آخر سورة واحدة وهو أفضل من السورة إن كان الآخر أكثر آية ا هـ‏.‏ وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير عدم الكراهة وإن كان الأفضل خلافه ومنها الانتقال من آية من سورة إلى آية أخرى من سورة أخرى أو آية من هذه السورة بينهما آيات وكذا الجمع بين السورتين بينهما سور أو سورة واحدة في ركعة واحدة مكروه وفي الركعتين إن كان بينهما سور لا يكره وإن كان بينهما سورة واحدة قال بعضهم يكره وقال بعضهم إن كانت السورة طويلة لا يكره كما إذا كانت بينهما سورتان قصيرتان ومنها أن يقرأ في ركعة أخرى سورة وفي ركعة أخرى سورة فوق تلك السورة أو فعل ذلك في ركعة فهو مكروه وإن وقع هذا من غير قصد بأن قرأ في الركعة الأولى ‏{‏قل أعوذ برب الناس‏}‏ يقرأ في الركعة الثانية هذه السورة أيضا وهذا كله في الفرائض أما في النوافل لا يكره كذا في الخلاصة ومنها ما إذا افتتح سورة وقصده سورة أخرى فلما قرأ آية أو آيتين أراد أن يترك تلك السورة ويفتتح التي أرادها يكره وكذا لو قرأ أقل من آية وإن كان حرفا ومنها أن يصلي في ثياب البذلة والمهنة واحتج له في الذخيرة بأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلا فعل ذلك فقال أرأيتك لو كنت أرسلتك إلى بعض الناس أكنت تمر في ثيابك هذه فقال لا فقال عمر الله أحق أن يتزين له وروى البيهقي عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق أن يتزين له» والظاهر أنها تنزيهية وفسر ثياب البذلة في شرح الوقاية بما يلبسه في بيته ولا يذهب به إلى الأكابر ومنها أن يحمل صبيا في صلاته وأما «حمله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب في الصلاة» فأجيب عنه بوجوه منها أنه منسوخ بقوله‏:‏ «إن في الصلاة لشغلا» وقد أطال الكلام فيه العلامة الحلبي ومنها أن يضع في فيه دراهم أو دنانير بحيث لا تمنعه عن القراءة وإن منعه عن أداء الحروف لا يجوز كما في الخلاصة وغيرها ومنها أن يتم القراءة في الركوع كما في منية المصلي وفي موضع آخر أن يقرأ في غير حالة القيام ومنها أن يقوم خلف الصف وحده مقتديا بالإمام إلا إذا لم يجد فرجة وكذا يكره للمنفرد أن يقوم في خلال الصفوف فيصلي فيخالفهم في القيام والقعود ومنها أنه تكره الصلاة في معاطن الإبل والمزبلة والمجزرة والمغتسل والحمام والمقبرة وعلى سطح الكعبة وذكر في الفتاوى إذا غسل موضعا في الحمام ليس فيه تمثال وصلى فيه لا بأس به وكذا في المقبرة إذا كان فيها موضع آخر أعد للصلاة وليس فيه قبر ولا نجاسة ومنها أنه يكره للإمام أن يعجلهم عن إكمال السنة ومنها ويكره أن يمكث في مكانه بعد ما سلم في صلاة بعدها سنة إلا قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام به ورد الأثر كما في منية المصلي ومنها أن يدخل في الصلاة وقد أخذه غائط أو بول وإن كان الاهتمام يشغله يقطعها وإن مضى عليها أجزأه وقد أساء وكذا إن أخذه بعد الافتتاح والأصل فيه ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏{‏لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» وجعل الشارح مدافعة الريح كالأخبثين وأن الحديث محمول على الكراهية ونفي الفضيلة حتى لو ضاق الوقت بحيث لو اشتغل بالوضوء يفوته يصلي لأن الأداء مع الكراهية أولى من القضاء ومنها أن كل عمل قليل لغير عذر فهو مكروه كما لو تروح على نفسه بمروحة أو كمه والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏